على مدار الساعات القليلة الماضية، كنت قد بدأت بكتابة هذه المقالة، ثم مزقتها، وحتى حاولت إهمال كتابتها. لم أتمكن من ذلك، ولم أشعر بقدرتي على الكتابة.
كان هناك شيئاً ما يزعجني، وفقط في هذه اللحظة، اكتشفت ماهية هذا الأمر.
فهذه المقالة قد تصنف بأنها مقالة أو افتتاحية في المقام الأول. وبالطبع هناك مواضيع يصح طرحها في صفحات الرأي، وقد تبدو مناسبة أكثر:
مثل: الميزانية الجديدة التي وضعها الرئيس، وعقوبة الإعدام، وإذا كان توم برادي يعتبر أعظم لاعب في تاريخ كرة القدم الامريكية؟
أما اللقاحات والتي ساهمت في الحد من 6 مليون حالة وفاة سنوياً من حول العالم، وساهمت بتغيير أساسي في النظرة إلى الأدوية الحديثة، فليس من المفترض أن تكون على القائمة.
وفوائد اللقاحات ليست مجرد رأي، بل هي حقيقة ثابتة علمياً.
وكشفت دراسات، نشرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تضمنت إجراء تحليل فوقي لـ1.2 مليون طفلاً، عن عدم وجود صلة بين اللقاحات ومرض التوحد. وهذا الاكتشاف ليس مجرّد رأي، بل هو حقيقة علمية.
أما احتمال أن يتعرض شخصاً ما لصاعقة كهربائية، فهو أكثر بمائة مرة من الإصابة بالحساسية لدي تلقي اللقاح الذي يحمي ضد مرض الحصبة، وهذا ليس رأي، بل أيضا حقيقة علمية ثابتة.
الحقائق مهمة والعلم يجب أن ينتصر، ولكن بعد 13 عاماً من عملي كمراسل طبي، أرى أنّ الأمر ليس بهذه البساطة.
وغالباَ، يفقد العلم الحجة والحماسة في نقاش أيدلوجية معينة، وفي مراحل معينة يمكن استيعاب ذلك الأمر بسهولة.
وفي خضم الجدل القائم حول اللقاحات، يكمن التحدي الرائع في محاولة إثبات حقيقة سلبية.
إذا لم تصب أنت أو طفلك بالمرض، الذي كان من المفترض أن يقيكما اللقاح منه، فذلك ليس أمراً مفاجئاً؟ ولن يحتل عناوين الأخبار الرئيسية. والحياة تستمر ببساطة.
ومن جهة أخرى، يصاب طفل واحد من بين مليون طفل، بردة فعل عكسية جراء اللقاح. وهذه الحادثة تصبح خبر أساسيا، إذ تؤكد على أسوأ المخاوف، وتسبب بتطوع جيش بكامله في الحرب ضد اللقاحات.
وتجدر الإشارة، إلى أنّ 12 من أصل 10 آلاف شخص يتناولون دواء الأسبيرين، وهؤلاء معرضون لخطر الإصابة بنزيف داخل الدماغ. أما الذين يتناولون كميات كثيرة من دواء الاسيتامينوفين، فهؤلاء أكثر عرضة للإصابة بمرض فشل الكبد. وفي المعدل، يموت شخص واحد في الولايات المتحدة الأمريكية سنوياً جرّاء التسمم من (H20)، أو تناول الكثير من المياه، ولم يسبب ذلك الأمر بتطوع جيوش بكاملها في الحرب ضد أدوية الأسبيرين، والتايلينول، والماء.
وكتب ديفيد كاتز، في كلية يال للصحة العامة، أنّه ليس من المنطق شن هجوم عنيف ضد اللقاحات، لمجرّد معرفة أنّ اللقاح أدّى إلى حدوث رد فعل عكسي سلبي لدى شخص معين.
وبعد قضاء بعض الوقت في غرب أفريقيا بهدف تغطية موضوع تفشي مرض الإيبولا، شاهدت كيف يأمل الناس التوصل إلى لقاح ما، ولكن دون جدوى.
ومن جهة أخرى، ورغم توفر لقاح الحصبة، إلا أنّ معدّلات التطعيم في بعض المدن الأمريكية، متقاربة مع معدلات التطعيم في مخيمات اللجوء، التي قمت بزيارتها في الأردن، وهايتي، فضلاً عن مخيمات اللجوء في باكستان.
نعم، يتمتع الأهل بخيار ما في هذا البلد.
وهذا خيار قد لا يمتلكه الكثير من الأشخاص حول العالم.
بالطبع، لقد لقحت أطفالي، ولم أفكر مرتين، إذ لست معجبا كبيراً بأمراض الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية.
وأما الحجة التي تقدم ضد اللقاح، فتؤخذ دائماً من وجهة نظر “أنا أحب أطفالي.” وأجد أن هذا الأمر مهينا قليلاً.
أما مقولة “إن الأشخاص الذين يوافقون على اللقاح لا يحبوت أطفالهم”، فهي موجة جديدة من الجنون.
ولكن هنا، حقيقة الأمر بالنسبة لي. فليس الأمر أنني ألقح أطفالي لأنني أحبهم فحسب، بل لأني أحب أطفالكم أيضاً.