كاتب المقال: مروان الحسيني، كاتب أردني وناشط في مجال الإعلام وحوار القيم والأديان،
بينما يقترب العالم من مناسبة الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان في شباط المقبل، يحتاج المرء إلى أن يوقف فوضى الفيديوهات الإخبارية التي تدور في رأسه، وأن يجد مكاناً مناسباً في عقله لمثل هذه المناسبة.
في الوقت الذي يحتاج فيه العالم بشدة إلى الوئام، وبالأخص في الشرق الأوسط حيث حروب وصراعات السياسة والمصالح والهويات ترتدي ملابس دينية، يجب أن يتم تطوير مفهوم الوئام نفسه إلى آلية أكثر استراتيجية تتخطى الكلمات.
إن السؤال الكبير الذي يجب أن نسأله لأنفسنا ليس التالي: لماذا علينا أن نحتفي بمناسبة دولية أخرى لا تتناسب وسياقات إراقة الدماء وصناعة الكراهية في المنطقة؟ بل إن السؤال الذي سيساعدنا في وضع فكرة الوئام الديني ضمن سياق مناسب وأكثر منطقاً هو: كيف يمكن أن يقودنا الوئام الديني في محاولاتنا لتصميم الأدوات التي تجابه الجنون الدائر في الشرق الأوسط.
في الأساس، تم طرح مبادرة أسبوع الوئام بين الأديان لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010 من قبل صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك الأردن. وبعد ذلك تم تبني الاقتراح من قبل الجمعية العامة من خلال قرار أشارت فيه إلى أن “التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان يشكلان بعدين مهمين من الثقافة العالمية للسلام والوئام بين الأديان، مما يجعل الأسبوع العالمي وسيلة لتعزيز الوئام بين جميع الناس بغض النظر عن ديانتهم”.
هذه الكلمات هي نثر إيجابي، لكنها لا تكفي للتعامل مع مسرح العبث الذي يفرض مشاهده المعقّدة في الشرق الأوسط، أم هل يجب أن أقول إنه مسرح الكوميديا السوداء!!
التطرف هو تركيبة عقلية، وتصميم الأدوات (أو الأسلحة) الأكثر فعالية في محاربته تحتاج إلى أن تتركز على العقليات المضادة. والوئام الديني يقدم أحد الخيارات في هذا السياق. فمثل هذه العقلية المضادة يجب تقويتها من خلال التمثيلات المختلفة لمؤسسات المجتمع والدولة، مثل العائلة والمدارس والجامعات وأماكن العبادة والأحزاب والمنظمات والحكومة وغيرها من الهيئات.
بعد طوفان الرسائل القوية التي اجتاحت العالم رداً على المذبحة المأساوية في صحيفة “شارلي إيبدو” في باريس، ما هي الرسائل التي سوف يبعث بها الشرق الأوسط خلال الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان؟ وهل نحن، كمواطنين شرق أوسطيين، قادرون على بث ما يتجاوز الصرخات والدموع والغضب؟
إن النظر إلى الصور الإخبارية من جثث بشرية وتفجيرات وإعدامات وقتال وصرخات ودموع، وصمت مقدس في عيون الأطفال يجعل المرء محاصراً بالحيرة. كيف يمكننا أن ننتج رسائل، بصرية ونصية، إيجابية للعالم بينما منطقتنا تتهاوى أمام أعيننا وقلوبنا الذاهلة؟
الإجابة ليست بسيطة. لكنه ربما يكون من مصلحتنا ككائنات إنسانية إن نحن بدأنا بالتفكير من ناحية العقليات التي تستند إلى الوئام والأمل. وأنا لا أعتبر هذين المصطلحين بسيطين أو مجرّد تعبيرين فلسفيين. فالرؤية التي يقودها الوئام والأمل هي رؤية من أجل الحياة والمستقبل. وهذا هو بالضبط ما نحتاجه في وجه أيديولوجيات الموت والماضي. لذا فإن الرسائل التي يجب أن تخرج من منطقتي هذه الأيام، وفي كل يوم، يجب أن تكون مغلفة بهذين النظامين الاعتقاديين القادرين على تحويل مسار جميع المعادلات إلى اتجاه إيجابي إذا ما تم دعمهما بأفعال صادقة عقلانية وإنسانية.
“Je suis jordanienne” (وتعني بالعربية: أنا أردني). وبينما قمت باستخدام نظام الترجمة الآلية لموقع غوغل لتحويل عبارة “أنا أردني” إلى مكافئها الفرنسي من أجل موازاة الرسالة العالمية “Je Suis Charlie” (أنا شارلي)، فإن رسائل المجتمعات الشرق أوسطية تحتاج إلى محولات خاصة بها حتى تتمكن من إيصال تعبيراتها الصادقة عن الوئام والأمل إلى العالم. وأحد هذه المحركات القوية لتحقيق مثل هذه النتيجة في المنطقة هو الأردن.
فبعيداً عن جميع التحليلات التي تحاول التوصل إلى سر استقرار الأردن وقصة نجاحه وسط الأحداث الوحشية التي تحيط به، مطلوب من المجتمع الدولي النظر عميقاً إلى روح هذا البلد المعجزة إن أراد هذا المجتمع حقاً إنتاج عقليات قوية وأدوات حقيقية لزرع الوئام والأمل في الشرق الأوسط. لا يحتاج النموذج الأردني تحليلاً، بل يحتاج إلى حمايته وتبنّيه بوصفه آلية يمكن بها ابتكار السلام والاستقرار في المنطقة.
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وعندما كانت المنطقة تغلي كعادتها دائماً، كنت ضمن جمهور من الحضور نستمع إلى الملك الراحل الحسين بن طلال في الجامعة الأردنية. عندما سألته إحدى الطالبات الشابات: ماذا يمكننا أن نفعل؟ إننا يائسون بسبب الأحداث في المنطقة؟ لم يجبها الملك الحسين فحسب، بل منحنا حينها درساً ثمينا، إذ قال: “لقد شاب شعري. لكنّ قلبي لن يشيب أبداً”.