مع دخول نادي #ريال_مدريد رقعة التنافس في #مونديال_الأندية الذي احتضنه #المغرب مؤخراً، وعاد لقبه للفريق الملكي، بدا المشهد مفاجئا لبعض المتابعين والإعلاميين وعشاق الكرة عبر العالم، وهم يرون جماهير الكرة في المغرب تحتشد بعشرات الآلاف في ملعب مراكش الكبير لتشجيع فريق إسباني يوجد على الضفة الأخرى من المتوسط.

في أجواء مناخية باردة وممطرة، ورغم نقل التباري من الرباط الى ملعب مراكش، في آخر لحظة، تهتز جنبات الملعب بأناشيد عشاق الريال التي يحفظها جمهور مغربي عاشق، تزدان المدرجات ب “تيفو” ضخم لم تصنعه الجماهير التي رافقت النادي العالمي من مدريد، بل صممه أنصار مغاربة، تستمر التشجيعات للريال طيلة أطوار المباراتين اللتين لعبهما الفريق الى حين إعلانه بطلا للتظاهرة، قمصان نجوم النادي العريق وشاراته وألوانه تكسو الآلاف من عشاق لا يحملون الجنسية الاسبانية، تلك عناصر من مشهد يعتبر مراقبون أنه يتجاوز البعد الرياضي ليطرح ظاهرة اجتماعية ونفسية أفرزتها العولمة وسوق تلفزيونية فرجوية موحدة، عابرة للحدود.

صحافة اسبانيا وصفت ملعب مراكش بأنه ” سانتياغو بيرنابو صغير” (اسم ملعب النادي الملكي)، نجومه بدوا مستغربين حجم التشجيع والالتفاف حول الفريق بشكل هستيري، مدرب الفريق، الايطالي أنشيلوتي صرح أن الفريق كما لو كان يلعب في أرضه، في وقت كان رئيس النادي فلورنتينو بيريث يستقبل رؤساء جمعيات أنصار النادي المنتشرين بعشرات الآلاف عبر المدن المغربية. أمور مثيرة تغيرت فيما سماها الخبير الفرنسي في العلاقات الدولية باسكال بونيفاس، “جيوبوليتيك كرة القدم“.

مشاهد الولع الجماهيري المغربي بالفريق الإسباني في مراكش تجسيد لتداعيات عصر الصورة وتنميط قيم الاستهلاك وتذويب المحلي في الكوني. انه امر لم يكن يتصور قبل حوالي عقدين من الزمن، حين كان الشغف بكرة القدم يتخذ أساسا مظهرا وطنيا بل ومحليا، حيث تستحوذ المنتخبات القومية على حماس الجمهور، وتتوزع انتماءات عشاق الكرة بين فرق الدوري المحلي. كان يتعلق الامر بجغرافيا كروية تربط المشجع بسياقه المحلي والوطني. أما وقد اخترقت القنوات الرياضية المتخصصة البيوت والفضاءات العامة، فقد ولدت وشائج عاطفية جديدة تربط المتفرج في أقصى البقاع بأقطاب كروية تقدم أرقى وجبات الفرجة، ولو في قارات أخرى.

بالطبع يتعلق الأمر باقتصاد كرة القدم الجديد، حيث تتنافس الفرق على القيام بأضخم الاستثمارات واستقطاب أفضل النجوم من أجل صناعة فرجة جاذبة قابلة للتسويق خارج الحدود، والفوز بألقاب تدر المليارات، وتعزز العلامة “التجاربة” للفريق-الشركة.

في المغرب، تكتسي الظاهرة حدة أكبر. فالقرب الجغرافي والثقافي مع أوروبا خلق منذ عقود قاعدة كبيرة من مستهلكي الفرجة الكروية في أقوى الدوريات الأوروبية. وان كانت القدرة الشرائية لأوسع الشرائح لا تسمح باقتناء أجهزة تشفير القنوات المتخصصة، التي تباع مع ذلك على نطاق واسع خصوصا في مواسم البطولات الكبرى، الا أن المقاهي تظل الفضاء الرئيس للاستهلاك الجماعي لهذه الوجبات الرياضية المثيرة، سواء في الأحياء الشعبية أو الأماكن الراقية، وهنا تصبح ظاهرة العشق الكروي، ظاهرة سوسيولوجية بامتياز.

في المباريات الكبرى، وخصوصا الديربيات القوية التي تجمع مثلا الغريمين برشلونة وريال مدريد، تنشطر هذه الفضاءات الى معسكرين، يخوضان معركة التشجيع بحدة أقوى ربما حتى من أجواء الملعب الذي تجري فيه، هناك في مدريد أو برشلونة، وذلك بشهادة المواطنين الإسبان الذين تصادف زيارتهم للمملكة مباريات من هذا النوع.

وكثيراً ما تطورت حمى التشجيع الى مشاهد عراك عنيفة وكسر محتويات المقاهي، مما يخرج عن إطار اللعبة والفرجة لسلوكات متشنجة وعدوانية تكشف ربما عن مكبوتات واحباطات آتية من مصادر أخرى غير عالم الكرة.

متخصصون في الشأن الاجتماعي يجدون في هذه الظاهرة تنفيسا عن أوضاع اقتصادية واجتماعية وإشباعا ذهنيا لحاجيات لا يلبيها الواقع، وتصريفا لرغبة في الانتماء الى عالم المنتصرين، وتماهيا مع نجوم يجسدون قيم النجاح المادي والمعنوي وغير ذلك مما يخلق علما افتراضيا بديلا. ومما يحفز الانقياد لجاذبية هذا المنتوج الكروي العالمي، تدهور وضع الأداء الرياضي في البلد المستقبل الذي يدفع الى الهجرة نحو “إلدورادو” رياضي زاخر بالابهار ووهم “الاندماج” في عالم توحده الصورة، وتشطره حدود الفقر والإقصاء.