أظهر تقرير مصوَّر لوكالة الأنباء العراقية نينا نيوز في بداية يوليو/ تموز الماضي صورة لمجموعة من ثلاث مروحيات روسية على الأقل، عرف الخبراء أنها النسخة التصديرية لطائرة ” مي ـ 28 إن” الحديثة، وكانت هذه المروحية قد صُممت خلال الحرب الباردة كسلاح مقابل لمروحية ” أي إن 64 دي ـ أباتشي” الأمريكية، ومن المقرر أن تحارب هذه المروحية في صفوف القوات العراقية ضد الأصوليين الإسلاميين الذين استولوا على جزء كبير من أراضي العراق.


بدأت أولى هذه المروحيات بالوصول إلى العراق صيف هذا العام، وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ـ بعد إعدادها للاستخدام الحربي ـ جرت مراسم رسمية بهذا الشأن حضرها وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي وتم تسليمها إلى القوات المسلحة، ولم يبق وقت طويل أمام مروحيات ” مي ـ 28 أن” لخوض المعارك. وتملك هذه الطائرات الروسية ذات المصير الصعب، كلَّ الفرص لتظهر إمكانياتها المميزة في المعارك الحقيقية.

ثلاثون عاماً من الاختبارات

كان طريق مروحيات ” مي ـ 28″ سواء إلى القوات المسلحة أو إلى الأسواق العالمية طويلاً وشائكاً، فقد قامت هذه المروحية بالتحليق لأول مرة منذ اثنين وثلاثين عاماً بالضبط، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1982، ولكنها حتى بحلول عام 1987 لم تحظ بأعجاب العسكريين، ولم يبدأ إنتاجها المتسلسل.

غير أن مكتب “ميل” للتصميم تابع العمل على هذه المروحية، وفي منتصف التسعينيات أطلق هذا المكتب نموذج ” مي ـ 28 إي” التي تعمل في مختلف الظروف الجوية، وحلقت المروحية الجديدة لأول مرة في عام 1996، وحصلت على مؤشر ” أن” ولقب ” الصياد الليلي”، و كوفئت بالتالي على مواظبتها. وفي مطلع العقد الأول من القرن الحالي كانت ” مي ـ 28″ تمثل النظير الروسي لمروحية ” أباتشي” الأمريكية، وفي عام 2006 بدأت تنضم إلى القوات المسلحة الروسية، أما في عام 2009 فقد تم اعتمادها في التسليح باعتبارها المروحية المقاتلة الرئيسة في الجيش الروسي.

مروحية ” مي ـ 28 إن” مخصصة لتدمير الدبابات والقوات الحية والأهداف الجوية بطيئة السرعة، وبالنسبة لإصابة القوات الحية والآليات المدرعة الخفيفة يمكن استخدام مدفع ثابت من عيار 30مم، وضد الدبابات وسواتر العدو الدائمة صواريخ ” أتاكا ـ في” الموجهة، كما تضم ترسانة هذه المروحية صاروخ ” جو ـ جو” من طراز ” إيغلا ـ في” المخصص لتدمير الطائرات من دون طيار، والمروحيات والصواريخ المجنحة.

وتتحمل الكابينة المصفحة للمروحية إصابات قذائف من عيار 20مم، وتم تحقيق ذلك من خلال استخدام دروع مصنوعة من الألومينيوم وعناصر مدعمة من السيراميك، ولمواجهة المضادات الجوية المتنقلة فقد روعيت الحماية على شكل مصدر للتشويش وتقليص مدى الرؤية بالأشعة تحت الحمراء بمرتين قياساً إلى مروحية” مي ـ 24″.

وفي حالة إصابة المروحية بأضرار تمنعها من الاستمرار في التحليق، فقد روعي وجود خيارين لإنقاذ الطاقم. فإذا أصيبت المروحية على ارتفاع 100 متر فإنه مع المظلة يُطلق النار على المروحة وباب الكابينة فتنتفخ سلالم خاصة، أما في حال الإصابة على ارتفاع أقل من 100 متر فتستخدم آلية أخرى، حيث يجري تثبيت أفراد الطاقم قسراً بالأحزمة في مقاعد خاصة ” بامير ـ كي” القادرة على تخفيض طاقة الأوزان بأربع مرات، ولدى السقوط يتم تخفيف الصدمة من خلال قوائم خاصة للهيكل.

الطريق إلى ساحة المعركة

استقبلت القوات المسلحة المروحية الجديدة بشكل جيد، وفي منطقة تورجوك يقولون ما يلي: ”  إن  “مي ـ 28 إن” طائرة قصيرة وواسعة، وفيها فقط يمكن القيام باستدارة بمقدار 70 درجة، والتأرجح في الهواء أو الانقضاض بزاوية 60 درجة، وكل ذلك من خلال تغييرات ميليمترية في وضعية مقبض التحكم، والمروحية حساسة جداً ولكنها في الوقت نفسه ثابتة في وجه الريح الجانبية والمقابلة، بينما كانت طائرة ” مي ـ 24″ تفتقد ذلك كله”.

وبعد نجاحها في روسيا، خططت مروحية ” مي ـ 28 إن”، التي صممها مكتب ” ميل”، لتعزيز مواقعها في الأسواق العالمية. ومن بين الزبائن المحتملين، أشار ب. سلوسار المدير العام لشركة ” روس تفير تول” في عام 2008 إلى الهند والجزائر والصين، وفي الفترة نفسها أبدت فنزويلا أيضاً اهتمامها بمروحية ” مي ـ 28 إن “، حتى أن إدارة ” روس فيرتالوت” أعلنت عن خطط توقيع عقد مع هذا البلد في عام 2009.

غير أن الصفقة مع فنزويلا لم تنجح، أما الصين فلم تبد اهتماماً، وفي المناقصة لتصدير 22 مروحية هجومية إلى الهند، تراجع ” الصياد الليلي” في عام 2011 أمام خصمه مروحية ” أن ـ 64 دي” الأمريكية، وعلّق العسكريون الهنود بقولهم بأن ” كلتا المروحيتين عملتا بشكل ممتاز، ولكن المروحية الأمريكية أظهرت تفوقاً في مواصفات رئيسة، مثل الإمكانيات الأكبر والاستخدام في مختلف الحالات الجوية”، أما الخبراء الروس فكانوا أكثر قسوة، فقد قال ميخائيل بارابانوف محرر Moscow Defense Brief بأن ” فوز المروحية الروسية كان سيبدو أعجوبة”، حيث أشار إلى أن مروحية ” مي ـ 28″ التي كانت آنذاك لا تزال ” خام” لم تتمكن من منافسة المروحية الأمريكية التي أُنتج منها ألف قطعة وتحارب في أفغانستان والعراق”، من جهته، يعتقد قسطنطين ماكيينكو الخبير في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات بأن ” المشاركة بحد ذاتها في المناقصة يمكن أن تعد نجاحاً لمروحية ” مي ـ 28″، فقبل بضع سنوات لم يكن لدى روسيا مروحية تشارك في مثل هذه المناقصات”.

أما في عام 2012 فقد عُرف أن هذه المروحية الروسية الجديدة سوف تصدَّر، ليس أي بلد عادي، وإنما إلى العراق الذي خرجت منه القوات الأمريكية منذ أقل من سنة، ومن اللافت للنظر، أن طريق تصدير مروحية ” مي ـ 28″ قد بدأ من هذا البلد بالذات، ففي عام 1990 البعيد، كان من المقرر البدء بتصدير مروحيات ” مي ـ 28″ إلى هناك، ولكن تعثر العقد بسبب الحرب في الخليج آنذاك، أما في عام 2012 فقد ورد طلب شراء 15 مروحية ” مي ـ 28 إن” ضمن عقد بقيمة 4.3 مليار دولار لتصدير معدات عسكرية روسية إلى العراق.

كما حققت هذه المروحية نجاحاً جديداً في العام الحالي، ففي فبراير/ شباط طلبت مصر شراء عدد غير معروف من مروحيات ” مي ـ 28 أن إي”، وفي مارس/ آذار انتهت المباحثات التي استمرت منذ عام 2007 مع الجزائر بطلب شراء 42 مروحية.